ما هو علم النفس ؟ - محاضرة د. مصعب عزاوي
تعود كلمة سيكولوجيا (علم النفس) لأصل
إغريقي، فكلمة (سيكو) تعني العقل أو
الروح و (لوجيا) تعني علم او دراسة. لذا يمكننا تعريف علم النفس على أنه دراسة
علمية لسلوك الإنسان ـ السلوك العقلي على وجه التحديد. ومن المهم التأكيد على كلمة
<<علمي>>. أعد علماء النفس
أنفسهم لتقبل الاختيارات المعتمدة على الدلائل فقط والتي هي غالبا ( ليس دائما
)مستمدة من التجارب على الإنسان وعلى الحيوان أيضاً
تطور علم
النفس:
أول من مهد الطريق لتطوير علم النفس
كان عالم الأحياء الشهير ( تشارلزداروين ). أما قبل ذلك فقد كان الغرب يعتقد انه من الممكن
دراسة العالم الطبيعي من نبات وحيوان وأجسام وغازات. . . إلخ علمياً، أما الإنسان فلا. وكان ذلك بسبب الاعتقاد بأن الإنسان قد خلق على
هيئة الله، لذا فإن سلوكه ليس خاضعاً
لقانون الطبيعة لكن كتاب داروين الشهير أصل الجنس البشري ( 1859 ) يقول بأن أصل
الإنسان هو حيوان نشأ من كائنات أبسط منه
وهذا يدل على ان السلوك البشري خاضع لقانون الطبيعة وبالتالي يمكن دراسته وفهمه
والتنبؤ به بنفس الطريقة التي تتبع مع باقي عناصر العالم الطبيعي.
بعُيد ذلك وفي سنة 1875 أسس ويلهام فوندت أول
مختبر لعلم النفس في جامعة ( ليبتزغ ) في ألمانيا، حيث حاول ان يحلل بنية عقل الإنسان وتأثير اتها
الأساسية بطريقة تشبه لحد ما تحليل علماء الكيمياء لمواد العالم إلى عناصرها
الأساسية. اعتمد فوندت بذلك على عملية
عُرفت << بالاستبطان >> اشترك فيها فوندت وزملاءه مستعرضين عقولهم
فدونوا أحاسيسهم بدقة من (البرودة ـ
الازرقاق ـ الحلاوة. . . إلخ ) التي قد اختبروها.
عرف هذا المنهج النفسي بعلم النفس
البنيوي ولقد تمكن من تعريف ما فوق ال
44000 ( ! ) شعور عقلي مختلف قبل فشل المنهج في بداية التسعينات.
أما السبب الرئيسي لفشله فهو استحالة
حل الجدل بين الباحثين بشأن أي من الاحساسات المختبرة. أي ببساطة مجرد كلمة من شخص تنفي كلمة الشخص الآخر. وذلك بسبب عدم وجود طريقه موضوعية لقياس
تجاربهم.
المدرسة
السلوكية:
أدى هذا النوع من المشاكل إلى تطوير
مدرسة أخرى من مدارس علم النفس تدعى بالمدرسة السلوكية، كان جون واتسون أحد مؤسسيها (1878ـ 1958). الذين اقترحوا أنه إذا كان علم النفس علماً
حقيقياً، ولا يقبل سوى الحقيقة المستندة
على البرهان الموضوعي فإن على علم النفس تجنب دراسة التجارب العقلية ـ لأن من
المستحيل إيجاد طريقة يلاحظ بها ما يحدث داخل رأس شخص آخر.
بدلاً من ذلك واتسون وفيما بعد غيره من
السلوكيين مثل ب. ف. سكينر. أصروا على أن
علم النفس يجب أن يقتصر على دراسة المسببات ( وهي أحداث في العالم يمكن إيجادها من
خلال حواسنا ) واستجابات تلك المسببات و ذلك لأن كل من المسببات مثل (سماع أصوات
عالية) والاستجابات مثل ( وضع يدينا على آذاننا ) قد تقاس وتسجل بشكل موضوعي ـ
السمة الأساسية في العلم.
تبعاً لداروين، يعتقد السلوكيين أيضاً بأن سلوك الإنسان لا يمكن ان يكون مختلف عن
سلوك الحيوان بشكل أساسي. فمعظم أبحاثهم
كانت تنفذ على حيوانات كالجرذان والحمام.
بينما كانت المدرسة السلوكية تسيطر على علم النفس في الولايات المتحدة الأميركية فقد كانت مدرسة
أخرى لعلم النفس في فيينا تتطور عبر حوالي الأربعين سنة الأولى وكانت تدعى بالتحليل النفسي. طورها سيغموند فرويد (1856ـ 1939). كان فرويد طبيباً للأمراض العصبية فأنشأ تمرين
لمحاولة مساعدة الناس الذين يعانون من الاضطراب الناتج عن المشاكل و أكد أن العديد
من تلك المشاكل ناجمة عن غرائز إنسانية أساسية مثل ( الجنس والعدائية) وذلك ما لم
يدركه مرضاه.
وقد اعتقد أيضاً أن بإمكانه مساعدة هؤلاء المرضى
ليدركوا قوى اللاوعي لديهم ( وبذلك
يخفف المشكلة ) بواسطة تقنيات مثل تحليل الأحلام والتخاطر الحر.
علم النفس
المعرفي:
خلال النصف الثاني من القرن العشرين
ظهرت مدرستين جديدتين أساسيتين لعلم النفس وهما علم النفس المعرفي وعلم النفس
الإنساني.
بدأ علم النفس المعرفي في الخمسينيات
بدراسة العمليات العقلية للإنسان مثل الإدراك،
الانتباه، الذاكرة، التفكير،
واللغة، ورغم معارضة السلوكيين !
فلقد اهتم علماء النفس المعرفي بالطرق التي يتلقى فيها الإنسان المعلومات من
العالم الخارجي.
وطبعاً ففي الخمسينات أيضاً شهد العالم
ولادة مدخل معالجة المعلومات مثل الحواسيب والرجل الآلي كجزء من الذكاء الصناعي (AI). حيث يعتقد بعض علماء النفس المعرفي بأن إنشاء
مثل هذه الآلات يؤدي المهمات بنجاح مثل حل المشاكل، تمييز الوجوه،
سوف يوفر البصيرة من خلال طرق ينفذها الناس لمثل تلك المهمات. قد يكون علم النفس المعرفي أكثر الاستكشافات
توسعاً في مجال علم النفس في الوقت الحالي.
علم النفس
الإنساني:
ظهرت في الأربعينيات مدرسة أخرى من
مدارس علم النفس ( القوة الثالثة بعد السلوكية والتحليل النفسي ) ولا تزال متبعة
إلى يومنا هذا عرفت بعلم النفس الإنساني.
حيث طورت أعمال ابراهام ماسلو ( 1908 ـ 1970) وكارل روجرز (1902 ) أما
الاختلاف بين هذه المدرسة وسواها فهو أنها ترى الإنسان على انه مختلف بشكل أساسي
عن الحيوانات الأخرى أو الآلات بسبب حرية الاختيار. أو المقدرة على انتقاء الخيارات بتصرفاتهم
وبهذا فإنهم يستطيعون توجيه حياتهم و السيطرة عليها. ويعتقد علم نفس الإنسان أيضاً أن كل شخص له خاصيته. وان الطريقة المثلى لفهم السلوك الإنساني لا
يكون بتنفيذ تجارب على عدد كبير من الناس بل بدراسة تجارب لحالات فردية مع التركيز
الشديد على التفاصيل.