اضطرابات القلق –
محاضرة د. مصعب قاسم عزاوي في المركز الثقافي في لندن
اضطرابات القلق هي
حالات غير طبيعية، تتسم بظهور أعراض قلق عقلية وجسمانية قوية، مع غياب وجود مرض
عضوي بالدماغ، أو أي اضطراب نفسي آخر. بالرغم من إمكانية ظهور جميع الأعراض، في أي
نوع من أنواع اضطرابات القلق، إلا أن لكل اضطراب صفاته المُميزة، والتي سيتم شرحها
لاحقاً. تشترك الاضطرابات المُختلفة، في الكثير من الصفات السريرية والأسباب، لكن
هناك اختلافات أيضاً. ففي اضطراب القلق المُتعمم، يكون القلق مُستمراً، لكنه قد
يختلف في حدته. أما في اضطرابات القلق الرُهابية، يكون القلق متقطعاً، ويظهر في
ظروف معينة. في اضطراب الهلع، يكون القلق متقطعاً، لكن ظهوره لا يرتبط بأي ظروف
معينة.
تطور الأفكار الخاصة
باضطرابات القلق
لطالما كان القلق
عرضاً بارزاً للعديد من الاضطرابات النفسية. غالباً ما يظهر القلق والاكتئاب معاً،
وحتى نهاية القرن التاسع عشر، لم تُصنف اضطرابات القلق بشكل مُنفصل عن اضطرابات
المزاج الأخرى. كان فرويد (عام 1895)، هو أول من اقترح
أن الحالات التي
تعاني بشكل أساسي من أعراض القلق، يجب أن تُصنف في فئة مُنفصلة، تحت اسم (عُصاب
القلق).
الجدول 1: أعراض
القلق
·
أعراض
نفسية: ( الترقب بخوف، الهياج، الحساسية تجاه الضجيج، التململ، ضعف التركيز، أفكار
سوداوية).
·
أعراض
مستقلة المنشأ (أعراض معدية معوية مثل: جفاف الفم، صعوبة في البلع، انزعاج شٌرسوفي،
إخراج الريح بكثرة)، (أعراض تنفسية مثل: انقباض الصدر، صعوبة في الاستنشاق، فرط
التنفس)، (أعراض قلبية وعائية مثل: خفقان القلب، ألم في الصدر).
·
توتر
عضلي، ارتعاش، صداع، ألم في العضلات
·
دوار،
نخز.
·
اضطراب
في النوم، أرق، فزع ليلي.
تضمنت مجموعة (فرويد)
الأصلية لعُصاب القلق، مرضى يعانون من الرُهاب ونوبات الهلع، لكنه قسمها بعد ذلك
إلى مجموعتين. المجموعة الأولى التي احتفظت باسم (عُصاب القلق)، تضمنت حالات تعاني
بشكل أساسي من أعراض القلق النفسية. المجموعة الثانية، والتي أطلق عليها (فرويد)
اسم (هستيريا القلق)، تضمنت حالات تعاني بشكل أساسي من أعراض القلق الجسمانية،
بالإضافة إلى الرهاب.
وإن تضمنت فئة
(هستيريا القلق)، الحالات التي نُشخصها اليوم كحالات رُهاب من الميادين. زعم
(فرويد) أن أسباب (عصاب القلق) و(هستيريا القلق)، ترتبط بالمشاكل الجنسية، لكنه
تقبل مجموعة أكبر من الأسباب فيما بعد. في ثلاثينات القرن العشرين، اعتبر معظم
الأطباء النفسيين، أن المشاكل المُرهقة المتنوعة يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بعُصاب
القلق.
عُرفت اضطرابات
الرُهاب منذ الأزل، لكن أول دراسة طبية منهجية لتلك الحالات، قام بها (لي كاموس)
في القرن الثامن عشر، (إيريا 1962). صُنفت أنواع الرُهاب في بداية القرن التاسع
عشر، وأُدرجت في فئة الهوس الأحادي، وهو اضطرابات في التفكير وليس في المشاعر. لكن
عندما وصف (وستفال) رُهاب الميادين لأول مرة عام 1872، أكد على أهمية دور القلق في
الحالة. لاحقاً في عام 1895، قسم (فرويد) أنواع الرُهاب إلى مجموعتين، الرُهاب
الشائع – حيث يكون هناك خوف مبالغ فيه، من شيء يخشاه الكثيرون بشكل شائع، (الظلام
أو الأماكن المرتفعة)، والرُهاب النوعي – حيث يكون هناك خوف من مواقف مُعينة، لا
يخشاها الأشخاص الأصحاء، (مثل الأماكن المفتوحة أو الخلاء). وكما سيرد لاحقاً،
أصبح لمصطلح الرُهاب النوعي معنىً مختلف الآن.
في ستينات القرن
العشرين، أدت استجابات حالات الرُهاب المختلفة، لطرق العلاج السلوكية إلى تقسيمها
إلى، رُهاب بسيط، رُهاب اجتماعي، ورُهاب الخلاء، وتختلف هذه المجموعات عن بعضها
أيضاً، في العمر الذي يظهر فيه الرُهاب بها، (حيث يبدأ الرُهاب البسيط عموماً في
سن الطفولة، والرُهاب الاجتماعي في سن المراهقة، ورُهاب الخلاء في وقت متأخر من
العمر). في نفس الوقت تقريباً، لوحظ أنه عندما يُصاحب الرُهاب نوبات هلع ملحوظة،
كانت تلك الحالات تستجيب للعلاج السلوكي استجابة ضعيفة، وكانت تستجيب بشكل أفضل
لعقار الإيميبرامين (كلاين 1964). صُنفت تلك الحالات فيما بعد على حدة، وسميت
باضطرابات الهلع. هذا التقدم أدى إلى ظهور التصنيف الحالي المُقسم إلى، اضطراب
القلق المعمم، اضطراب القلق الرُهابي (البسيط، الاجتماعي، ورهاب الخلاء)، واضطراب
الهلع.
لطالما كانت العلاقة
بين اضطرابات الوسواس القهري، واضطرابات القلق مُلتبسة، ومازالت كذلك. ظن فرويد في
البداية، أن الرُهاب والوساوس تربطهما علاقة وثيقة، (فرويد 1895). لكنه اقترح
لاحقاً أن القلق هو المشكلة الرئيسية في كلتا الحالتين، وأن أعراضهما المُميزة،
(الرُهاب والوساوس)، نتجت عن آليات الدفاع المختلفة ضد القلق. بينما اعتبر الآخرون
الاضطرابات الوسواسية، فئة مُنفصلة عن العُصاب غير المعلوم السبب. وكما ذكرنا
سابقاً، أدى انقسام الآراء هذا إلى ظهور نظامي التصنيف الرئيسيين الحاليين - في الكتيب التحليلي والإحصائي للأمراض العقلية
(الإصدار الرابع)، تصنف اضطرابات الوسواس القهري،
كمجموعة فرعية من اضطرابات القلق، بينما في التصنيف الدولي للأمراض
(الإصدار العاشر)، تحتل اضطرابات القلق، واضطرابات الوسواس القهري، مكانين منفصلين
في التصنيف.