الثلاثاء، 12 يوليو 2016

اضطرابات القلق الرُهابي و الرهاب المرضي (الفوبيا) – د. مصعب عزاوي


اضطرابات القلق الرُهابي و الرهاب المرضي (الفوبيا) – د. مصعب عزاوي

تتسم اضطرابات القلق الرُهابي، بنفس أعراض اضطرابات القلق المُتعمم الجوهرية، لكن هذه الأعراض لا تظهر إلا في ظروف معينة. في بعض أنواع الاضطرابات الرُهابية، تكون هذه الظروف قليلة، ولا يعاني المريض من القلق معظم الوقت. في الأنواع الأخرى من الاضطرابات الرُهابية، تُثير الكثير من الظروف القلق، وبالتالي تتكرر نوبات القلق بصورة أكبر، لكن تظل هناك بعض المواقف التي لا يشعر فيها المريض بالقلق على الإطلاق. تتميز الاضطرابات الرُهابية بصفتين أخريتين: أولاً، يتجنب الشخص الظروف التي تُثير القلق، وثانياً، يعاني الشخص من القلق التوجسي، عندما يكون هناك احتمال لأن يواجه هذه الظروف. يمكن تقسيم الظروف التي تُثير القلق إلى: مواقف،(مثل الأماكن المزدحمة)، الأجسام،(وهو مصطلح يتضمن الكائنات الحية مثل العناكب)، والظواهر الطبيعية،(مثل الرعد). لأسباب إكلينيكية، تم تقسيم المتلازمات الرُهابية إلى ثلاثة متلازمات أساسية، الرُهاب النوعي، الرُهاب الاجتماعي، ورُهاب الخلاء. سنتناول هذه المتلازمات بالتفصيل لاحقاً.

تصنيف اضطرابات الرُهاب

في الكتيب التحليلي والإحصائي للأمراض العقلية، والتصنيف الدولي للأمراض، تنقسم الاضطرابات الرُهابية إلى، رُهاب نوعي، رُهاب اجتماعي، ورُهاب الخلاء. في الكتيب التحليلي والإحصائي للأمراض العقلية، وليس في التصنيف الدولي للأمراض، يُصنف المرضى الذين يعانون من رُهاب الخلاء، الذين يمرون بنوبات هلع منتظمة،(أكثر من 4 نوبات خلال 4 أسابيع، أو نوبة واحدة، يعقبها شهر من التخوف المُستمر من الإصابة بنوبة أخرى)، بأنهم مُصابين باضطراب الهلع.

الرُهاب النوعي

الصورة الإكلينيكية (الشكل السريري)

الشخص المُصاب بالرُهاب النوعي يكون قلقاً بشكل مفرط، إذا واجه موقفاً مُعيناً أو شيئاً معيناً. في حضرة هذا الموقف أو هذا الشيء، يختبر الشخص أعراض القلق المذكورة في الجدول 9.1. يكون القلق التوجسي شائعاً، ويسعى الشخص عادة إلى الهروب من المواقف التي يهابها، كما يسعى إلى تجنبها. يمكن تصنيف أنواع الرُهاب النوعي، عن طريق إضافة اسم المُثير، (مثل رُهاب العنكبوت). في السابق، كان من الشائع استخدام مصطلحات مثل، رُهاب العناكب، (بدلاً من رُهاب العنكبوت)، أو رُهاب الأماكن المرتفعة،(بدلاً من رُهاب المرتفعات)، لكن هذه الممارسة لا تضيف شيئاً، مقارنة باستخدام الأسماء الأبسط. في الكتيب التحليلي والإحصائي للأمراض العقلية، يوجد 4 أنواع من الرُهاب النوعي، والتي تتعلق بـ:

·     الحيوانات.

·     جوانب البيئة الطبيعية.

·     الدماء، الحقن، والجروح.

·     مواقف ومُثيرات أخرى: هذه الفئة تتضمن الخوف من المواقف الطبية، المواقف المتعلقة بطب الأسنان، والخوف من الشَرَق.

أنواع الرُهاب النوعي التالية، يجب أن توضع في الاعتبار.

رُهاب علاج الأسنان

يخشى نحو 5% من البالغين، علاج الأسنان. قد تصير هذه المخاوف شديدة للغاية، لدرجة أن الشخص يتجنب كل أنواع علاجات الأسنان، في حين يزداد التسوس بشدة. أظهر تحليل ميتا لـ38 دراسة عن العلاج السلوكي، انخفاضاً كبيراً في الخوف، في 77% من الأشخاص الذين عُولجت أسنانهم، بعد 4 سنوات من تلقي العلاج،(كفال 2004).

رُهاب الطيران

يُعد القلق أثناء السفر بالطائرة أمراً شائعاً. بعض الناس يختبرون قلقاً شديداً، لدرجة تجعلهم غير قادرين على السفر بالطائرة، وبعضهم يسعى للعلاج. هذا الخوف يظهر أحياناً أيضاً بين الطيارين، الذين تعرضوا لحادث أثناء الطيران. توفر بعض شركات الطيران علاجاً مُزيلاً للتحسس، بالإضافة إلى كتب المساعدة الذاتية. تم استخدام برامج الواقع الافتراضي، لتحل محل التعريض الفعلي والمُتخيل للحدث. تحققت نتائج جيدة، لكن لم يتضح بعد، ما إذا كان العلاج، يحتاج إلى أن يُدعم ببعض الأساليب النفسية الأخرى، مثل التثقيف النفسي أم لا،(دا كوستا،2008).


 

الخوف من الدماء والجروح

في هذا النوع من الرُهاب، يُسبب منظر الدماء القلق، كما تُسبب رؤية أي نوع من أنواع الجروح القلق أيضاً. لكن الاستجابة اللاإرادية المُصاحبة له، تختلف عن الاستجابات في اضطرابات الرُهاب الأخرى. فتسرع القلب المبدئي، يعقبه رد فعل وِعائِيٌّ مُبْهَمِيّ، حيث يحدث بطء في القلب، شحوب، دوار، غثيان، والإغماء أحياناً. يُقال أن الأشخاص الذين يعانون من هذا النوع من الرُهاب، يكونون عرضة للإغماء العصبي، دون التعرض حتى للمُثير المُحدد،(الدماء أو الجروح). يتمثل العلاج في التعرض الحي للمُثير، بالإضافة إلى استخدام التوتر العضلي، للمساعدة في منع الإغماء،(أيالا، 2009).

رُهاب الشَرَقٌ

الأشخاص الذين يعانون من هذا النوع من الرُهاب، يخشون بشدة أن يختنقوا أثناء البلع. يعاني هؤلاء الأشخاص من رد فعل بلعومي مُفرط، ويشعرون بالقلق الشديد عندما يحاولون البلع. يبدأ هذا الرُهاب إما في فترة الطفولة، أو بعد الاختناق بالطعام في فترة البلوغ. بعض هؤلاء الأشخاص يخشون أيضاً علاج الأسنان، بينما يتجنب الآخرون تناول الطعام في العلن. يتمثل العلاج في إزالة التحسس.


 

رُهاب الاعتلال

 الأشخاص المُصابون بهذا النوع من الرُهاب، تراودهم أفكار مُخيفة متكررة، عن احتمال إصابتهم  بالسرطان، مرض منقول جنسياً، أو أي مرض خطير آخر. على عكس الأشخاص المُصابين بالضلالات، يُدرك الأشخاص المُصابين برُهاب الاعتلال، أن أفكارهم غير عقلانية، على الأقل عندما لا تراودهم تلك الأفكار. كما أنهم لا يقاومون الأفكار، بالطريقة التي تُقاوم بها الأفكار الوسواسية. قد يتجنب هؤلاء الأشخاص المستشفيات، ومع ذلك لا ترتبط الأفكار بمواقف معينة. إذا اقتنع الشخص بأنه مُصاب بالمرض، تُصنف الحالة كحالة مُراق. أما إذا كانت الأفكار غير منطقية، ويحاول المريض مقاومتها، فتُصنف الحالة على أنها حالة اضطراب وسواس قهري.

وبائية المرض

قُدر معدل الانتشار العمري للرُهاب النوعي بين البالغين، باستخدام معايير الكتيب التحليلي والإحصائي للأمراض العقلية، بـ7% في الرجال، و17% في النساء،(كيسلر 2005). تبدأ معظم أنواع الرُهاب النوعي في الظهور، في سن الطفولة. رُهاب الحيوانات يبدأ في الظهور في سن السابعة، بينما يبدأ ظهور رُهاب الدماء في سن الثامنة، وتظهر معظم أنواع رُهاب المواقف في أوائل العشرينات من العمر،(أوست، 2001).


 

الأسباب

استمرار مخاوف الطفولة

معظم أنواع الرُهاب النوعي التي يعاني منها الشخص البالغ، تكون امتداداً لأنواع الرُهاب التي عانى منها في فترة الطفولة. الرُهاب النوعي شائع في فترة الطفولة. في السنوات الأولى من المراهقة، ستختفي معظم مخاوف فترة الطفولة، لكن بعضها يبقى ويستمر في فترة البلوغ. السبب وراء استمرار تلك المخاوف غير مؤكد، إلا أن حالات الرُهاب المتفاقمة تستمر لفترة أطول.

العوامل الوراثية

أظهرت دراسة واحدة، أن 31% من أقارب المرضى المُصابون بالرُهاب النوعي، من الدرجة الأولى، مُصابون أيضاً بالحالة،(فاير، 1995). تطابقت نتائج دراسة أجريت على التوائم الإناث المُصابات بالرُهاب النوعي، مع النمط السببي، حيث اجتمع الاستعداد الوراثي البسيط، مع الأحداث المُكربة المعينة المُسببة للرُهاب،(كيندلر، 1999). قد يتضمن الاستعداد الوراثي اختلافات في قوة إشراط الخوف، والذي قد ينتقل وراثياً بنسبة 40%، (هيتيما، 2003).


 

نظريات التحليل النفسي

تقول هذه النظريات، أن الرُهاب لا يرتبط بالمُثيرات الخارجية الواضحة، بل يرتبط بمصدر داخلي للقلق. حيث يُستبعد المصدر الداخلي من الوعي، عن طريق الإخماد، ويُستبدل بمصدر خارجي. هذه النظرية لا تدعمها أدلة موضوعية.

نظريات الإشراط والنظريات المعرفية

تقول نظرية الإشراط أن الرُهاب النوعي يظهر من خلال التعلم التفاعلي. يبدو أن أنواع قليلة من الرُهاب النوعي، تبدأ بهذه الطريقة في فترة البلوغ، نتيجة التعرض لتجربة مُزعجة للغاية. على سبيل المثال، قد يبدأ رُهاب الخيول في الظهور، بعد التعرض لتجربة خطيرة مع جواد مُندفع. قد تُكتسب بعض أنواع الرُهاب النوعي، من خلال التعلم بالمشاهدة، كأن يشاهد الطفل استجابات الخوف الخاصة بشخص آخر، ويتعلم أن يخشى نفس المُثيرات. تساهم العوامل المعرفية أيضاً في استمرار الخوف، خصيصاً التوجس من مُثيرات الرُهاب، و الانتباه الانتقائي لها.

التعلم الفطري  

هذا المصطلح يُشير إلى توفر الاستعداد الفطري، للخوف المستمر من مُثير معين. يبدو أن بعض صغار الرّئِيسات، يملكون الاستعداد للخوف من الثعابين، لكن من غير المؤكد، ما إذا كانت نفس العملية تنطبق على بعض أنواع الرُهاب النوعي، التي يُصاب بها أطفال البشر.

التَوَضُّعٌ الدِمَاغِيٌّ

أظهرت دراسات التصوير الوظيفي، حدوث نشاط مفرط بلوزة الحلق، عند عرض بعض المُثيرات المُخيفة، والذي يتضاءل مع العلاج الناجح. إن ترقب مُثيرات الرُهاب، يُحفز القشرة الحزامية الأمامية، والقشرة الجزرية. هناك أدلة متضاربة، على تناقص النشاط بالقشرة الأمام جبهية الوسطية،(إينجل، 2009).